تعد وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة فريدة تغزو حياتنا اليومية، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تفاعلاتنا الاجتماعية وتواصلنا. ولكن خلف عالم الإنترنت اللامحدود تكمن الآثار التي تشكل تحديًا حقيقيًا لصحتنا العقلية. من الآثار السلبية للاستخدام المفرط إلى الضغوط الاجتماعية والقلق المستمر، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تلقي بظلالها على صحتنا النفسية.
في هذا السياق، سنستكشف في هذا المقال من The Dermo Lab عن تأثيرات السوشال ميديا على صحتنا النفسية، حيث نلقي الضوء على الدراسات والأبحاث الحديثة التي تكشف عن هذه الظاهرة. سنتحدث عن كيفية إدارة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جيد، وسنقدم بعض النصائح العملية حول كيفية الحفاظ على صحتنا النفسية في عصر الرقمنة المتسارعة.
ما هي آثار السوشال ميديا على الصحة النفسية؟
من السهل الوقوع في حب العالم الافتراضي لوسائل التواصل الاجتماعي والشعور بالانغماس بعمق في حياة الآخرين، مما يؤثر على النفسية. يمكن أن تؤدي المقارنة المستمرة مع الحياة التي تبدو مثالية للآخرين إلى الشعور بعدم الكفاءة والقلق وحتى الاكتئاب. أظهرت الأبحاث باستمرار وجود علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومشاكل الصحة العقلية مثل تدني احترام الذات، وعدم الرضا عن الجسد، والشعور بالوحدة (1).
فيما يلي بعض آثار السوشال ميديا على الصحة النفسية:
- القلق والاكتئاب:
يمكن أن يؤدي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة مشاعر القلق والاكتئاب. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الضغط النفسي الذي قد يشعر به المستخدمون للحفاظ على صورة إيجابية ومثالية على المنصات الاجتماعية، بالإضافة إلى مراقبة حياة الأشخاص الآخرين الذين يبدون سعداء وناجحين. هذا الشعور بالمقارنة المستمرة وعدم القدرة على تحقيق المعايير المثلى يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية.
- انعدام الثقة بالنفس:
يمكن أن تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على ثقة الناس بأنفسهم. عندما ترى صورًا مثالية ومقاطع فيديو رائعة لأشخاص آخرين، قد تشعر أنك مضطر لتحقيق نفس المستوى من الجمال والنجاح. هذا يمكن أن يؤدي إلى الشعور بعدم القدرة على المنافسة والشعور بالنقص وعدم الرضا.
- الاجتماعية الافتراضية مقابل الاجتماعية الواقعية:
يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى الإضرار بالعلاقات الاجتماعية. قد تقضي وقتًا أطول في التفاعل مع الآخرين عبر الإنترنت والانخراط في علاقات اجتماعية افتراضية، مما يقلل الوقت الذي تقضيه في التواصل الحقيقي والتفاعل وجهًا لوجه. يمكن أن يؤدي هذا إلى الشعور بالعزلة وضعف العلاقات الاجتماعية في الحياة الواقعية.
- انعكاس الهوية:
يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي تشويه هوية الناس والتأثير على تصورهم لذاتهم. ينشر المستخدمون الجوانب الإيجابية والمثيرة للاهتمام في حياتهم، والتي يمكن أن تؤدي إلى تشويه تصورات الآخرين لهم وعدم فهم الجوانب الحقيقية والكاملة لشخصياتهم.
- الإدمان:
يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط والمستمر لوسائل التواصل الاجتماعي إلى الإدمان. تصبح مرتبط بشكل مفرط بردود الأفعال والإعجابات والتعليقات على منشوراتك، مما قد يؤثر على قدرتك على التركيز والانخراط في أنشطة الحياة اليومية الأخرى.
- التنمّر الإلكتروني:
يمكن أن تصبح منصات وسائل التواصل الاجتماعي ملاذات آمنة للتنمر عبر الإنترنت، حيث يتعرض الأفراد للمضايقة أو التهديد أو الإذلال عبر الإنترنت. يمكن للتواصل الاجتماعي أن يخفي المتنمرين ويبتعد عنهم ويمنع الضحايا من الهروب من تجاربهم السلبية. يمكن أن يكون للتسلط عبر الإنترنت عواقب نفسية خطيرة، بما في ذلك زيادة التوتر والقلق والاكتئاب وحتى التفكير في الانتحار.
- الخوف من التخلّف عن الأحداث (FOMO):
غالبًا ما تُظهر وسائل التواصل الاجتماعي الجوانب المثيرة والراقية في حياة الآخرين، والتي يمكن أن تثير مخاوف الأفراد من التخلف عن الأحداث. إن رؤية الأنشطة والإنجازات الاجتماعية للآخرين، أو الأحداث التي لم يشاركوا فيها، يمكن أن تؤدي إلى الشعور بعدم الكفاءة والوحدة والاستبعاد.
- اضطرابات النوم:
يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط للسوشال ميديا، خاصة قبل النوم، إلى اضطرابات النوم. يمكن أن يعيق الضوء الأزرق الذي ينبعث من الأجهزة الإلكترونية إفراز هرمون الميلاتونين، الذي ينظم النوم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي التفاعلات المثيرة للتنشيط أو التجارب السلبية عبر الإنترنت إلى زيادة الاستنفار، مما يجعل الاسترخاء والنوم أمرًا صعبًا.
- تشويه الصورة الجسدية واضطرابات الأكل:
يمكن أن يؤثر التركيز الذي يوليه وسائل التواصل الاجتماعي على المظهر الجسدي وصورة الجسم للأفراد بشكل سلبي. يمكن أن يؤدي التعرض للصور المثالية والمعدلة إلى عدم الرضا عن الجسم وانخفاض تقدير الذات وزيادة خطر الإصابة باضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية.
- تحميل المعلومات الزائدة والتحمل الذهني الزائد:
يمكن أن يؤدي التدفق المستمر للمعلومات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى إرهاق الأفراد، مما يؤدي إلى زيادة تحميل المعلومات والتحمل الذهني الزائد. قد تكون محاولة مواكبة الكم الهائل من المعلومات والمحتوى والآراء مصدرًا للتوتر والارتباك وصعوبة التركيز على المهام المطروحة.
من المهم ملاحظة أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية يمكن أن يختلف من شخص لآخر. قد يكون بعض الأشخاص أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع هذه المنصات دون عواقب سلبية كبيرة، بينما قد يكون البعض الآخر أكثر عرضة للضرر المحتمل.
كيف يمكن التغلب على آثار وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية؟
للتغلب على التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، يمكن اتباع الإجراءات التالية:
1- وضع حدود زمنية: حدد وقتًا محددًا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأخذ فترات استراحة منها. قد تكون فترات التباعد الاجتماعي مناسبة أثناء الأنشطة المهمة أو قبل النوم للسماح للعقل بالاسترخاء والانتقال إلى حالة هدوء.
2- تحديد أهداف واقعية: اعترف بأن ما يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي ليس صورة كاملة للواقع. قد يعرض الآخرون فقط جوانب مختارة ومثيرة من حياتهم. ضع لنفسك أهدافًا واقعية، ولا تقيس قيمتك الذاتية بمقارنة حياتك بحياة الآخرين.
3- تنويع الوسائط الاجتماعية: ابحث عن توازن بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل الحقيقي مع الأشخاص من حولك. استكشف وسائل أخرى للتواصل مثل الاجتماعات الشخصية، والمكالمات الهاتفية، والأنشطة الاجتماعية الواقعية.
4- التركيز على الاهتمام الذاتي: منح الاهتمام لاحتياجاتك الشخصية ورفع مستوى رعايتك الذاتية. قم بممارسة النشاطات التي تجلب لك السعادة وتساعد في تخفيف التوتر، مثل ممارسة التأمل، والرياضة، وقراءة الكتب، والقيام بالهوايات التي تستمتع بها.
5- تعزيز الوعي بين الناس: من المهم أن تكون على دراية بتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية. راقب مشاعرك وردود أفعالك عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتحدث مع الآخرين عن تجاربهم وأفكارهم. قد تجد الدعم والتعاطف من الأشخاص الذين يشاركونك نفس التجربة.
6- طلب الدعم الاجتماعي: في حالة مواجهة تأثيرات سلبية كبيرة على صحتك النفسية، لا تتردد في طلب المساعدة والدعم من أصدقائك وعائلتك.
هذه بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتغلب على التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية.
ولكن يجب ألا تنسى فوائد وسائل التواصل الاجتماعي. فهي تعزز الروابط الحقيقية، وترفع الوعي بالقضايا الاجتماعية المهمة، وتوفر شبكات الدعم للمحتاجين. لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورًا حيويًا في تعزيز الصحة النفسية ومكافحة جميع أشكال الأمراض العقلية. إن الطريقة التي تتعامل بها مع هذه المنصات والخيارات الواعية التي تتخذها هي التي تحدد تأثيرها على صحتك النفسية.
الخاتمة
في الختام، يمكن القول إن السوشال ميديا لها آثار كبيرة على الصحة النفسية. تشمل هذه التأثيرات الشعور بالاضطراب النفسي والقلق والاكتئاب، وتعزيز الشعور بالوحدة وعدم الانتماء، وتشويه صورة الذات وتعرض الأفراد للتنمر الإلكتروني. كما يمكن أن تؤثر السوشال ميديا على النوم وتزيد من التحمل الذهني الزائد والاكتئاب. لذلك، من الضروري أن نكون حذرين ومدركين لتلك التأثيرات وأن نتخذ إجراءات للتحكم في استخدامنا للسوشال ميديا وحماية صحتنا النفسية.
Last Updated on يوليو 6, 2023